ام جادين
الكاتب عثمان موسى
صباح السبت احد شهور الصيف أم درمان بدأت تمدد اطرافها للتخلص من بقايا نعاس سهر يومى الخميس والجمعة ايام مناسبات الأعراس و الصيف فى عنفوانه الكتل البشرية زاحفة نحو المحطات والشمس زاحفة الى مستقرا لها..واشعتها بدأت تلسع تلك البشرات السمر.. الناس همهم ان يجدوا مقعدا ليصلوا مكاتبهم وأماكن عملهم فى حقبة حكومة نعتت ونعت نفسها .. فيها رجت النفوس رجا وهزت قواعد الهدوء من ملامح الناس ووئدت الإبتسامات من الوجوه بدايةازمة المواصلات وبدايةازمة الثقة.وهذا المشهد المألوف فى كل محطات القلق ويأس الإنتظار وعذابات التوتر..كنت موظف جديد بديوان المراجع العام بعد ان نقلت من مدنى السنى ..ولقد ألفت بعض الوجوه المنتظرة فى محطة ود البشير بأمبدة التى سميت قبل مجئ البشير للسلطة..ذلك السودانى الأصيل الخلق ..اضاع البلاد بحسن النيه..ومحطة ود البشير تقع فى ((تقاطعات ..بلا دوار..يلتقى شارع الردمية والسوق الشعبى وشارع السبيل.. اتجهات اربعة ومواصلات شتى ..من سوق ليبيا للشعبى ومن ليبيا للمحطة الوسطى امدرمان ومن السبيل للسوق الشعبى ومن السبيل للمحطة الوسطى..وبالعودة) منظر الكتل البشرية يذكرنى بمحطة احمد حلمى بمصر ..عندما كنا فى زيارة لقاهرة المعز..ولكن ..شتان بين سنور وكنار.. فى ذاك اليوم لم يحضر النقل الجماعى ربما تعطلت الحافلة ..وذقت ألم الإنتظار ..وفقدت انس ناس عزاز على ..عوض الله وحرم كنت احب ان اجلس بالقرب منهما ..كانا ثنائى فى سجال دائم وحوار شيق .. عوض الله شيوعى ونقابى دخل سجون مايو وحرم إتحادية مازال اهلها يقتطعون من جنينتهم جزء راتب للخليفةوهذا الثنائى العجيب ..صداقتهم يقال أكثر من عشرين سنةفى مكتب واحد ويخرجوا فى تيم مراجعة وكثيرا مايتذكرون كيف مسكوا صراف النسيج السودانىو أمين مخزن الإمدادات الطبية.وهم أحباب وبينهم ود خفى لم يتزوج كلاهما ولكنهما يكسوا جو الرحلة دعابة وخفشات لا تحس بموقعك الجغرافى إلا بصوت عجلات الحافلة وهى هز كبرى النيليين العجوز..ويهب نسيم النيل لينبهك ببداية يوم جديد..احسست بأنى وحيد مهمل فى هذا الزخم وهذه الكتل البشرية ..(انقطع عشمى فى وصول الحافلة بتعت الشغل) وهناك احساس احاول ان انكره وخجل اولاد الأقاليم ان اذكره سهام زميلتى التى طالما استعصت بصمتها وهدوئها إلا من ابتسامتها التى تشبه اسمها فكانت من معجبى متابعة حرم وعوض الله فألتقينا فى هذه الهواية وبداية الحكاية ((وهى قصة طويلة نهاية فصولها سهام صارت ام عيالى وحرم وعوض الله كجبال توتيل متقاربيين ولم يمخضا عن فارة)) .. كلما تأخر الوقت ارتفع قرص الشمس وزادت الحرارة وسال العرق وضاعت بخات العطور ((ودلكتنا الكداحة فى بدايتها بطبقةطين.. عرق وتراب.. على الوجوه كأنة قناع))..وبخة العطر كنت ابخها لرحلة الحافلة مخصوص طالما استحسنه عم عوض الله الذى لا يجامل بنقده اللاذع... وفى الشارع زادت وتيرة الناس..وفى تلك الأثناء دخلت شاحنة كبيرة تحملها اثنى عشرة لستك ..كأنها حشرة زاحفة رأيتها فى مشروع كنانة ايام والدى كان عاملا هناك..تظهرهذة الحشرة فى فصل الخريف فى البطانة وكردفان..وكل فجاج الأرض المترعة بالأمطار والمفرهدة تحت دفء الشمس الإستوائية..شاحنة نادرا ما يمر مثلها ولكن رجحت ان تكون بداية البحث عن الذهب الأسود لأن فى متنها انابيب ضخمة.. الذهب اللأسود الذى اضحى نقمةومصدر شؤوم اقتطع به اطراف البلاد..وهبت رياح الأطماع ..واصبحت هذه الشاحنة تتهادى لتعبر الطريق كثعبان شبعان باحث عن ماء يبلل به ضفدعة استقرت فى احشائه.. وبداية ابتلاع الشعب النبيل براءته التى إنتهكت ..عند إنتصاف هذه الشاحنة الطريق اربكت كل المسارات ..فتوقفت الشاحنةلتسمح لسيارة قد تسارعت للتجاوز وتجازف هربا من قرف الإنتظار ولفحة الشمس وحرارة الماكينة ..فى هذا الموج السكانى الهائج ..واصوات الماكينات القديمة ودخانها القاتم .يختلط برياح الكداحة تلفح وجوه الناس و تخرم رئاتهم ..واثناء توقف الشاحنة وصفارة رجل الحركة ..هرول المشاة بعد ان اضحت الشاحنة حماية مؤقتة للعبور ..خديجة وامها متماسكين مترددين فى العبور متوجسين متحفزتين .. والدة خديجة المشهورة بأم جادين قد تجاوزت الستون وشارفت تخوم السبعون ولكن حجمها الصغير..وعودها الصلب ((كعود شجيرة الكتر كما يوصفنها بعض سجيلاتها) يجعلها اصغر من عمرها ((كانت تلقب فى صغرها بالفرينة))لصغر حجمها وسرعة حركتها..قالت لبتها ام احمد ((ما نقطع الدرب)) قالت لها ام احمد((اصبرى يومه))..إلتفتت خديجة يمنة ويسرة فى حرص وبسرعة ((كعبورالجيش المصرى خط برليف)جرجرت معها ام جادين التى دائما جاهزة للإنطلاق ..فسبقت بنتها فى هرولة لن يستطعن دلوعات وسط المدينة مجاراتها ..رغم توقف الحركة بسبب وقوف الشاحنة ..وهناك بعض المتسكعات يعبرن فى مهلا وهوينا ..لأصطياد سائقى السيارات الملاكي موسم الغانيات اللآئى اجبرتهن الظروف على البغى ..وعبرن خديجة وامها ام جاديين (الدرب)وأخذن انفاسهن إستعدادا لمعركة الركوب لبص اهلى قادم من سوق ليبيا او اى وسيلة للمحطة الوسطى أدرمان ..ام جاديين..عائشة((آشي)) المشهرة بأم جاديين ..الآن اصبحن بمقربة منى ام جاديين وجهها ممصوص كحبة المانجو التى لم تنضج وبارت بأهمال فى سوق الخضار لونها لا يكاد يبان بين الحمرة والخضرة كأنه زير ماء لم يكتمل حرق اطرافة فأطراف وجهها وحافة عظمة الجفون اسودت من حرارة الشمس ولكن التجاعيد شخبطت صفحات وجهها المليئة بالمآسى والمعاناة جاءت ام جادين من اقصى شمال كردفان بعد ان هزم الجفاف والتصحر صبرهم فى معركة قاسية بين الكرامة والأصالة والجمال والإبل والجرارى نصف الليل وإيقاع الحياة الرتيب ..كإيقاع مسير الإبل نشوىبصوت الدوبيت من سارى بليلة مقمرة على ظهر ناقته.. فتنقلب الطبيعةفجئة الى رمال وهجير وعطش وجوع وموت..كما فعلت الخصخصة بالآمنيين الذين توسدوا الوظيفة الحكومية رضعوا وشبوا بها والمؤسسة هى ملاذهم الذى يأوى إليه اذا اصابته نائبة فزعوا إليه الزملاء من مديرها لخفيرها..يبدو الطبيعة هزها الأمر غضبت ونضبت ..فكانت خديجة وأمها رمت بهم ظروف التصحر لفظت بهم الى طاحونة المدينة القاسية التروس ((قالت يوما آشة لبتها والله ناس البندر زى ناس الآخرة كل زول فى نفسه اكان فطست مافى زول يرفع جدتك وقالوا الألمى الباردة فى الشوارع وهسا ريقنا ناشف مالقين موية نبل بها ريقنا))هى المدينة كما راتها أيشة .. تجاعيد الجبهة حلقات ملامح الوجهه الإستوائىوعيونها صغيرة ثاقبة رموشها ملأى بغبار(الكداحة)..وخلف هذه الواجهة جمجمة تتقد لهبا من هموم رغم نتوء الجبهه الموحى بالذكاء..خلفت وراءها بنتيين مطلقة وارمل ..الإبن الأكبر جاديين إختفى قبل موجة الجفاف والتصحر زمنا بعيد يقول الناس((شافوه فى لبيا القذافى)والبعض يقول (بقى هنباتى فى البندر)) وكثيرا رجح ذلك لأن جده لأمة الطريفى كان هنباتى..ولكنها ام جادين وضعت اقسى ظروف الإحتمال نعته فى صمت فودعته بدموع ساخنة فى منتصف ليل هاجر ..زوجها ابو جاديين ناهز الثمانون وكان قويا صلبا كعود(الأبنوس)الناشف وجدوه مسجى فى فراشه فى صباح شق فيه الحزن أصوات الإبل والغنم ونسيم يدغدغ خدود الأمل المنصوب على (مشلعيب) الفرح المحبوس فى حباله المتدليه..يقال انه تعشى ليليتها فى الضرة(مكان يجتمع فيهو اهل الريف لتناول الوجبات وغالبا العشاء)وكان منشرحا يرسل الحكاوى ولا تقاطعة إلا موجه الســـعال التى تداهمه بين الفينة والأخرى يحاول تجــاوزها وتخطيها ليواصل حكاويه..كثيرا ماتتذكر ام جاديين تلك الأيام الحالكات الهالكات ضرعا وزرعا ..مات الزوج القوى رغم السن الطاعنة وهلك المراح ..موت الإبل هو موت العز وموت العز موت القبيلة بأسرها ..
أم جادين الهجرة فرضت عليها وكان الرحيل ومغادرة البيدر قسرا ..البدوية فى بيت الشعر و(البرش) خير لها من القصور كما قالت ميسون زوجة معاوية بن ابى سفيان عندما جاء بها من البدو وأسكنها قصور الخلافة فأنشدت تقول:ـ
لبيت تخفق الأرواح فيه احب الى من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عينا احب إلى من لبس الشفوف
وأكل كسيرتى فى قعر بيتى احب إلى من اكل الرغيف
وكلب ينبح الطراق دونه احب الى من ضرب الدفوف
وإبن عم كريم نحيف احب الى من ملك عنيف
فطلقها معاوية بن ابى سفيان فكانت حبلى بيزيد فقالت والله لا سعدنا حين كنا ولا شقينا حين بنا..هذه كأن ام جادين فى وجدانها و قريحتها وماتحمله من الأسى إن قالت شعراابلغ من ميسون زوجة معاوية ولكن ميسون لها بادية ونجوع وكلاب تنبح للضيوف ولكن ام جادين ,دفعهم الموت دفعا والجاتك فى مالك سامحتك رغم الموت لا شفاعة فيه ..وجاءت ام جادين وفى معيتها جيش بشر بنت أرملة واطفالها اربعة ذكور أكبرهم ستة سنوات وأصغرهم ابن بضعة شهور ممسك على ثدى امه العجفاء لولا رحمة الله فى قلوب الأمهات لرمت به ..الثدى جاف يمصه الصغير مصا تشعر الأم كأن ابرا تغرز فى قلبها ويصيح الصغير باحثا عن قطرة حليب وهى تأن (آخ) فلا تجود الحلمة او الجلدةإلا بمقدار وبت أخرى طلقت ..وخديجة كبرى بناتها وزميلتها فى السراء والضراء خديجه بناتها تزوجن وإبنها الوحيد متزوج مازال بالصحراء لتدفنه الرمال اويهرب قريبا نصف بالها مع ام جادين والباقى مع العقب ..بعد رحلة مضنية رموا برحالهم باكواخ ابوزيد اقصىشمال سوق ليبيا بأمدرمان ..يخرجن يوميا بحثا عن العمل(خادمات) فى بيوت (اهل البندر) ناس الراحات(ناس الألمى البارد) ..فمن سوق ليبيا الى سوق ام درمان والوقت ضاق عليهم وتأخرتا لسهرهما مع رضيع بنتها الأرملة الذى يتلوى من المقص بل من الجوع ..لذلك ركبن مواصلات السوق الشعبى ونزلن محطة ود البشير العامرة بالمواصلات ..ام جادين النظر بهت والأقدام يبست داخل سفنجة اليمنى خضراء متربة موصولة بسير نايلون (كراسى) بين الإبهام وسبابة الأقدام واليسرى زرقاء تنتظر حجر لينصب العدل مشنقة بسير نايلون لليسرى ((لتتساوى والعدل اساس الملك))بينما خديجة بالها مشغول بطفلها الصغير تقوم بعدة محاولات للركوب ببص آتى من سوق ليبيا او محطة السبيل وقتها تمر بود البشير العامرة بالمواصلات احيان ((واحد يأخذ فرده من ود البشير))أملهم فى بص لأنه ارخص ويستوعب الجولات المقبوضة قبضة قوية طويلة منذ الصباح الباكر حتى خالط العرق مع أتربة جوال البلاستيك المخمص ويرجعن به مبطن ملئ بما رزق الله وسخى به اهل المدينة من بينهم من نفس بواديهم جاءوا انصار مع المهدى يتعامل بعضهم معهم كما زنوج امريكا مع بنى جلدتهم من افريقيا(امثال رايس) بس رأفة اهلنا بردا وسلاما ..خديجة تجاهد مع الزمن والتسابق للعمل مع جيوش من النازحات الشابات المرغوبات هن مطلقات وارامل بريئات لم يعرفن دروب الغانيات بعد..خديجة لم يحالفها الحظ لإيجاد موطئ فى المركبات المحشورة خلق الله وهى تطمع فى مقعد ومقعد لأم جادين التى يدور رأسها من رآها حسبها مخبولة ولكن المعيشة وبهدلة البندر فأصبح الناس مجانيين وماهم بمجانيين ولكن سياط المعيشة شديد وقاسى..وأم جاديين من ناحيتها تقوم بمحاولات منفردة وخاصة مع ناس الملاكى يوما وقف لها شاب بدافع الشفقة ((قالت وقتها يمكن نبى الله الخضر فى صورة هذا الشاب) اوصلها للسوق الشعبى ومنحها اوراق ماليه معطرة ..من هنا وهناك وجدت ضالتها شاب فى هيئة من اوصلها يوما له ايقاع فى ذاكرتها ..تقدمت وهى مبتسمة وحشرت رأسها من الزجاج المفتوح ((ماشى وين ياولدى..اتخلع الود)) لأن خياله لم يألف مثل هذة الشمطاء ورائحة التعب انف منها وحدجها بنظرة إغتالت كل ملامح البشاشة وحسن الظن ..مقابلتها عطور تفوح وموسيقى وواحدة شابة صغيرة تقول لها لو سمحت يا حبوبة ..تراجعت العجوز من هذا الجو الذى لا يشبهها وقتل فيها العشم والطمع الطموح..رجعت الى حيث بنتها خديجة فسألتها يومه قال لك شنو لأن وجهها زاد ((كرمشة))واسود من ((مهانة البندر)) بلعت ريقها (حبوبتنا العجوز) وباقى كرامتها فى صبر ولم ترد على بنتها ..فهمتها بنتها صمتها وعدم الرد حكمة سوف تحكى لها عند الأمسيات وقت العشاء ..ام جاديين الهموم استبد بها وخلفها بناتها وعيالهم وطفل مريض والشمس تسابق التوقيت المعتاد ..ام جاديين رجلها بدأت تتألم من الوقوف والجرى (والمدافسة)رجلها عليها حجول ليس من ذهب ولا فضة ولكن قماش ملون (مرصع بسكسك قديم ))بقايا عادات وزينة قوم زمان..وتقاليد تهاوت على الرجليين لتبقى رمزا للإباء والإصرار والإبحار فى بحر مطلاطم بتيارات الجشع والصلف ..وهذا الرمز احتجاج غير مسموع ولا مسموح بأكثر من ذلك من بلاد غض الطرف عنها سهوا ولا نقول عمدا ((سميت مناطق الجفاف والتصحر))وهى علامة كعلامة ضابط شهيد على كتفه نجوم من قماش منقوشة بالبوهية هذا على الكتف وتلك على (الكعبيين ).. دب اليأس فى حماسهم ونشاطهم المعدوم اصلا فى السعى بين الملاكى والبصات ..جاء الفرج حافلة يتعالى صوت(البورى))المنبهة الذى يقلد هتاف مشجعى المريخ ((حافلة مزينة عاجبه سيدها))((فوق فوق مريخنا فوق))((تى تى تتى تيى ..))بالأمس هزم المريخ الموردة اربعة واحد..فى عنفوان الشباب وفرحة النصر ..قام بدوران ليقف بالمحطة ويهرب من تكتل البشر الى مكان آمن وجاء فاضى وخالى الهموم ليعمل ((فردة))معتبره..احد مشجعى الموردة رغم حرارة الشمس ويريد مقعدا فى حافلة بتاع المريخ لم يثنية للرد عليه ..رشيتو الحكم ياصهاينة..إلتفت ليرد دون ان يوقف الحافلة ولكن قبل رده ردت عليه صيحة قوية صرخة إمرأة ((مشجعة عجوز))ولكن بطريقتها الخاصة كما تفعل مع الملاكى وكانت حريصة على الولوج وهذه فرصة لمقعد لعالم جديد نفق ليس له قرار..صوتها تحت رفاريف الحافلة ..شهيدة ..بنياشينها ((حجولها)) رمز الإباء من قماش كضابط شهيد من اسرة مغمورة ..جاوبها صوت اخر تراجيدى ..ووب على يومه ووب يومة ماماتت ..شجت الحافلة رأسها الذى داخ ومات من زمان ..احتضنتها بنتها ..وجسمها يحاول ان يتحرك ولكن ليس هناك حافز للحياة كل شبر من جسمها يريد ان يرتاح..لم يبقى إلا الجوال الفاضى على يدها التى إمتلأت عرقا ..ولكن محكم القبضة كأنها تقول لخديجة امسكى على المبادئ الأمانة كما انا ممسكة على الجوال حتى بعد موتى..وسبق القدر صفارة رجل الحركة التى جاءت متأخرة..إندهش السائق جاديين وظن ان الصفارة صفارة الحكم فأرتعشت اياديه وارتعش الكون بموجة كداحة غطت الكتل البشرية..كما غطى الظلم على كثيرا من الناس ..جاديين قاتل امه تحت رفارف حافلته ..
الكاتب عثمان موسى
صباح السبت احد شهور الصيف أم درمان بدأت تمدد اطرافها للتخلص من بقايا نعاس سهر يومى الخميس والجمعة ايام مناسبات الأعراس و الصيف فى عنفوانه الكتل البشرية زاحفة نحو المحطات والشمس زاحفة الى مستقرا لها..واشعتها بدأت تلسع تلك البشرات السمر.. الناس همهم ان يجدوا مقعدا ليصلوا مكاتبهم وأماكن عملهم فى حقبة حكومة نعتت ونعت نفسها .. فيها رجت النفوس رجا وهزت قواعد الهدوء من ملامح الناس ووئدت الإبتسامات من الوجوه بدايةازمة المواصلات وبدايةازمة الثقة.وهذا المشهد المألوف فى كل محطات القلق ويأس الإنتظار وعذابات التوتر..كنت موظف جديد بديوان المراجع العام بعد ان نقلت من مدنى السنى ..ولقد ألفت بعض الوجوه المنتظرة فى محطة ود البشير بأمبدة التى سميت قبل مجئ البشير للسلطة..ذلك السودانى الأصيل الخلق ..اضاع البلاد بحسن النيه..ومحطة ود البشير تقع فى ((تقاطعات ..بلا دوار..يلتقى شارع الردمية والسوق الشعبى وشارع السبيل.. اتجهات اربعة ومواصلات شتى ..من سوق ليبيا للشعبى ومن ليبيا للمحطة الوسطى امدرمان ومن السبيل للسوق الشعبى ومن السبيل للمحطة الوسطى..وبالعودة) منظر الكتل البشرية يذكرنى بمحطة احمد حلمى بمصر ..عندما كنا فى زيارة لقاهرة المعز..ولكن ..شتان بين سنور وكنار.. فى ذاك اليوم لم يحضر النقل الجماعى ربما تعطلت الحافلة ..وذقت ألم الإنتظار ..وفقدت انس ناس عزاز على ..عوض الله وحرم كنت احب ان اجلس بالقرب منهما ..كانا ثنائى فى سجال دائم وحوار شيق .. عوض الله شيوعى ونقابى دخل سجون مايو وحرم إتحادية مازال اهلها يقتطعون من جنينتهم جزء راتب للخليفةوهذا الثنائى العجيب ..صداقتهم يقال أكثر من عشرين سنةفى مكتب واحد ويخرجوا فى تيم مراجعة وكثيرا مايتذكرون كيف مسكوا صراف النسيج السودانىو أمين مخزن الإمدادات الطبية.وهم أحباب وبينهم ود خفى لم يتزوج كلاهما ولكنهما يكسوا جو الرحلة دعابة وخفشات لا تحس بموقعك الجغرافى إلا بصوت عجلات الحافلة وهى هز كبرى النيليين العجوز..ويهب نسيم النيل لينبهك ببداية يوم جديد..احسست بأنى وحيد مهمل فى هذا الزخم وهذه الكتل البشرية ..(انقطع عشمى فى وصول الحافلة بتعت الشغل) وهناك احساس احاول ان انكره وخجل اولاد الأقاليم ان اذكره سهام زميلتى التى طالما استعصت بصمتها وهدوئها إلا من ابتسامتها التى تشبه اسمها فكانت من معجبى متابعة حرم وعوض الله فألتقينا فى هذه الهواية وبداية الحكاية ((وهى قصة طويلة نهاية فصولها سهام صارت ام عيالى وحرم وعوض الله كجبال توتيل متقاربيين ولم يمخضا عن فارة)) .. كلما تأخر الوقت ارتفع قرص الشمس وزادت الحرارة وسال العرق وضاعت بخات العطور ((ودلكتنا الكداحة فى بدايتها بطبقةطين.. عرق وتراب.. على الوجوه كأنة قناع))..وبخة العطر كنت ابخها لرحلة الحافلة مخصوص طالما استحسنه عم عوض الله الذى لا يجامل بنقده اللاذع... وفى الشارع زادت وتيرة الناس..وفى تلك الأثناء دخلت شاحنة كبيرة تحملها اثنى عشرة لستك ..كأنها حشرة زاحفة رأيتها فى مشروع كنانة ايام والدى كان عاملا هناك..تظهرهذة الحشرة فى فصل الخريف فى البطانة وكردفان..وكل فجاج الأرض المترعة بالأمطار والمفرهدة تحت دفء الشمس الإستوائية..شاحنة نادرا ما يمر مثلها ولكن رجحت ان تكون بداية البحث عن الذهب الأسود لأن فى متنها انابيب ضخمة.. الذهب اللأسود الذى اضحى نقمةومصدر شؤوم اقتطع به اطراف البلاد..وهبت رياح الأطماع ..واصبحت هذه الشاحنة تتهادى لتعبر الطريق كثعبان شبعان باحث عن ماء يبلل به ضفدعة استقرت فى احشائه.. وبداية ابتلاع الشعب النبيل براءته التى إنتهكت ..عند إنتصاف هذه الشاحنة الطريق اربكت كل المسارات ..فتوقفت الشاحنةلتسمح لسيارة قد تسارعت للتجاوز وتجازف هربا من قرف الإنتظار ولفحة الشمس وحرارة الماكينة ..فى هذا الموج السكانى الهائج ..واصوات الماكينات القديمة ودخانها القاتم .يختلط برياح الكداحة تلفح وجوه الناس و تخرم رئاتهم ..واثناء توقف الشاحنة وصفارة رجل الحركة ..هرول المشاة بعد ان اضحت الشاحنة حماية مؤقتة للعبور ..خديجة وامها متماسكين مترددين فى العبور متوجسين متحفزتين .. والدة خديجة المشهورة بأم جادين قد تجاوزت الستون وشارفت تخوم السبعون ولكن حجمها الصغير..وعودها الصلب ((كعود شجيرة الكتر كما يوصفنها بعض سجيلاتها) يجعلها اصغر من عمرها ((كانت تلقب فى صغرها بالفرينة))لصغر حجمها وسرعة حركتها..قالت لبتها ام احمد ((ما نقطع الدرب)) قالت لها ام احمد((اصبرى يومه))..إلتفتت خديجة يمنة ويسرة فى حرص وبسرعة ((كعبورالجيش المصرى خط برليف)جرجرت معها ام جادين التى دائما جاهزة للإنطلاق ..فسبقت بنتها فى هرولة لن يستطعن دلوعات وسط المدينة مجاراتها ..رغم توقف الحركة بسبب وقوف الشاحنة ..وهناك بعض المتسكعات يعبرن فى مهلا وهوينا ..لأصطياد سائقى السيارات الملاكي موسم الغانيات اللآئى اجبرتهن الظروف على البغى ..وعبرن خديجة وامها ام جاديين (الدرب)وأخذن انفاسهن إستعدادا لمعركة الركوب لبص اهلى قادم من سوق ليبيا او اى وسيلة للمحطة الوسطى أدرمان ..ام جاديين..عائشة((آشي)) المشهرة بأم جاديين ..الآن اصبحن بمقربة منى ام جاديين وجهها ممصوص كحبة المانجو التى لم تنضج وبارت بأهمال فى سوق الخضار لونها لا يكاد يبان بين الحمرة والخضرة كأنه زير ماء لم يكتمل حرق اطرافة فأطراف وجهها وحافة عظمة الجفون اسودت من حرارة الشمس ولكن التجاعيد شخبطت صفحات وجهها المليئة بالمآسى والمعاناة جاءت ام جادين من اقصى شمال كردفان بعد ان هزم الجفاف والتصحر صبرهم فى معركة قاسية بين الكرامة والأصالة والجمال والإبل والجرارى نصف الليل وإيقاع الحياة الرتيب ..كإيقاع مسير الإبل نشوىبصوت الدوبيت من سارى بليلة مقمرة على ظهر ناقته.. فتنقلب الطبيعةفجئة الى رمال وهجير وعطش وجوع وموت..كما فعلت الخصخصة بالآمنيين الذين توسدوا الوظيفة الحكومية رضعوا وشبوا بها والمؤسسة هى ملاذهم الذى يأوى إليه اذا اصابته نائبة فزعوا إليه الزملاء من مديرها لخفيرها..يبدو الطبيعة هزها الأمر غضبت ونضبت ..فكانت خديجة وأمها رمت بهم ظروف التصحر لفظت بهم الى طاحونة المدينة القاسية التروس ((قالت يوما آشة لبتها والله ناس البندر زى ناس الآخرة كل زول فى نفسه اكان فطست مافى زول يرفع جدتك وقالوا الألمى الباردة فى الشوارع وهسا ريقنا ناشف مالقين موية نبل بها ريقنا))هى المدينة كما راتها أيشة .. تجاعيد الجبهة حلقات ملامح الوجهه الإستوائىوعيونها صغيرة ثاقبة رموشها ملأى بغبار(الكداحة)..وخلف هذه الواجهة جمجمة تتقد لهبا من هموم رغم نتوء الجبهه الموحى بالذكاء..خلفت وراءها بنتيين مطلقة وارمل ..الإبن الأكبر جاديين إختفى قبل موجة الجفاف والتصحر زمنا بعيد يقول الناس((شافوه فى لبيا القذافى)والبعض يقول (بقى هنباتى فى البندر)) وكثيرا رجح ذلك لأن جده لأمة الطريفى كان هنباتى..ولكنها ام جادين وضعت اقسى ظروف الإحتمال نعته فى صمت فودعته بدموع ساخنة فى منتصف ليل هاجر ..زوجها ابو جاديين ناهز الثمانون وكان قويا صلبا كعود(الأبنوس)الناشف وجدوه مسجى فى فراشه فى صباح شق فيه الحزن أصوات الإبل والغنم ونسيم يدغدغ خدود الأمل المنصوب على (مشلعيب) الفرح المحبوس فى حباله المتدليه..يقال انه تعشى ليليتها فى الضرة(مكان يجتمع فيهو اهل الريف لتناول الوجبات وغالبا العشاء)وكان منشرحا يرسل الحكاوى ولا تقاطعة إلا موجه الســـعال التى تداهمه بين الفينة والأخرى يحاول تجــاوزها وتخطيها ليواصل حكاويه..كثيرا ماتتذكر ام جاديين تلك الأيام الحالكات الهالكات ضرعا وزرعا ..مات الزوج القوى رغم السن الطاعنة وهلك المراح ..موت الإبل هو موت العز وموت العز موت القبيلة بأسرها ..
أم جادين الهجرة فرضت عليها وكان الرحيل ومغادرة البيدر قسرا ..البدوية فى بيت الشعر و(البرش) خير لها من القصور كما قالت ميسون زوجة معاوية بن ابى سفيان عندما جاء بها من البدو وأسكنها قصور الخلافة فأنشدت تقول:ـ
لبيت تخفق الأرواح فيه احب الى من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عينا احب إلى من لبس الشفوف
وأكل كسيرتى فى قعر بيتى احب إلى من اكل الرغيف
وكلب ينبح الطراق دونه احب الى من ضرب الدفوف
وإبن عم كريم نحيف احب الى من ملك عنيف
فطلقها معاوية بن ابى سفيان فكانت حبلى بيزيد فقالت والله لا سعدنا حين كنا ولا شقينا حين بنا..هذه كأن ام جادين فى وجدانها و قريحتها وماتحمله من الأسى إن قالت شعراابلغ من ميسون زوجة معاوية ولكن ميسون لها بادية ونجوع وكلاب تنبح للضيوف ولكن ام جادين ,دفعهم الموت دفعا والجاتك فى مالك سامحتك رغم الموت لا شفاعة فيه ..وجاءت ام جادين وفى معيتها جيش بشر بنت أرملة واطفالها اربعة ذكور أكبرهم ستة سنوات وأصغرهم ابن بضعة شهور ممسك على ثدى امه العجفاء لولا رحمة الله فى قلوب الأمهات لرمت به ..الثدى جاف يمصه الصغير مصا تشعر الأم كأن ابرا تغرز فى قلبها ويصيح الصغير باحثا عن قطرة حليب وهى تأن (آخ) فلا تجود الحلمة او الجلدةإلا بمقدار وبت أخرى طلقت ..وخديجة كبرى بناتها وزميلتها فى السراء والضراء خديجه بناتها تزوجن وإبنها الوحيد متزوج مازال بالصحراء لتدفنه الرمال اويهرب قريبا نصف بالها مع ام جادين والباقى مع العقب ..بعد رحلة مضنية رموا برحالهم باكواخ ابوزيد اقصىشمال سوق ليبيا بأمدرمان ..يخرجن يوميا بحثا عن العمل(خادمات) فى بيوت (اهل البندر) ناس الراحات(ناس الألمى البارد) ..فمن سوق ليبيا الى سوق ام درمان والوقت ضاق عليهم وتأخرتا لسهرهما مع رضيع بنتها الأرملة الذى يتلوى من المقص بل من الجوع ..لذلك ركبن مواصلات السوق الشعبى ونزلن محطة ود البشير العامرة بالمواصلات ..ام جادين النظر بهت والأقدام يبست داخل سفنجة اليمنى خضراء متربة موصولة بسير نايلون (كراسى) بين الإبهام وسبابة الأقدام واليسرى زرقاء تنتظر حجر لينصب العدل مشنقة بسير نايلون لليسرى ((لتتساوى والعدل اساس الملك))بينما خديجة بالها مشغول بطفلها الصغير تقوم بعدة محاولات للركوب ببص آتى من سوق ليبيا او محطة السبيل وقتها تمر بود البشير العامرة بالمواصلات احيان ((واحد يأخذ فرده من ود البشير))أملهم فى بص لأنه ارخص ويستوعب الجولات المقبوضة قبضة قوية طويلة منذ الصباح الباكر حتى خالط العرق مع أتربة جوال البلاستيك المخمص ويرجعن به مبطن ملئ بما رزق الله وسخى به اهل المدينة من بينهم من نفس بواديهم جاءوا انصار مع المهدى يتعامل بعضهم معهم كما زنوج امريكا مع بنى جلدتهم من افريقيا(امثال رايس) بس رأفة اهلنا بردا وسلاما ..خديجة تجاهد مع الزمن والتسابق للعمل مع جيوش من النازحات الشابات المرغوبات هن مطلقات وارامل بريئات لم يعرفن دروب الغانيات بعد..خديجة لم يحالفها الحظ لإيجاد موطئ فى المركبات المحشورة خلق الله وهى تطمع فى مقعد ومقعد لأم جادين التى يدور رأسها من رآها حسبها مخبولة ولكن المعيشة وبهدلة البندر فأصبح الناس مجانيين وماهم بمجانيين ولكن سياط المعيشة شديد وقاسى..وأم جاديين من ناحيتها تقوم بمحاولات منفردة وخاصة مع ناس الملاكى يوما وقف لها شاب بدافع الشفقة ((قالت وقتها يمكن نبى الله الخضر فى صورة هذا الشاب) اوصلها للسوق الشعبى ومنحها اوراق ماليه معطرة ..من هنا وهناك وجدت ضالتها شاب فى هيئة من اوصلها يوما له ايقاع فى ذاكرتها ..تقدمت وهى مبتسمة وحشرت رأسها من الزجاج المفتوح ((ماشى وين ياولدى..اتخلع الود)) لأن خياله لم يألف مثل هذة الشمطاء ورائحة التعب انف منها وحدجها بنظرة إغتالت كل ملامح البشاشة وحسن الظن ..مقابلتها عطور تفوح وموسيقى وواحدة شابة صغيرة تقول لها لو سمحت يا حبوبة ..تراجعت العجوز من هذا الجو الذى لا يشبهها وقتل فيها العشم والطمع الطموح..رجعت الى حيث بنتها خديجة فسألتها يومه قال لك شنو لأن وجهها زاد ((كرمشة))واسود من ((مهانة البندر)) بلعت ريقها (حبوبتنا العجوز) وباقى كرامتها فى صبر ولم ترد على بنتها ..فهمتها بنتها صمتها وعدم الرد حكمة سوف تحكى لها عند الأمسيات وقت العشاء ..ام جاديين الهموم استبد بها وخلفها بناتها وعيالهم وطفل مريض والشمس تسابق التوقيت المعتاد ..ام جاديين رجلها بدأت تتألم من الوقوف والجرى (والمدافسة)رجلها عليها حجول ليس من ذهب ولا فضة ولكن قماش ملون (مرصع بسكسك قديم ))بقايا عادات وزينة قوم زمان..وتقاليد تهاوت على الرجليين لتبقى رمزا للإباء والإصرار والإبحار فى بحر مطلاطم بتيارات الجشع والصلف ..وهذا الرمز احتجاج غير مسموع ولا مسموح بأكثر من ذلك من بلاد غض الطرف عنها سهوا ولا نقول عمدا ((سميت مناطق الجفاف والتصحر))وهى علامة كعلامة ضابط شهيد على كتفه نجوم من قماش منقوشة بالبوهية هذا على الكتف وتلك على (الكعبيين ).. دب اليأس فى حماسهم ونشاطهم المعدوم اصلا فى السعى بين الملاكى والبصات ..جاء الفرج حافلة يتعالى صوت(البورى))المنبهة الذى يقلد هتاف مشجعى المريخ ((حافلة مزينة عاجبه سيدها))((فوق فوق مريخنا فوق))((تى تى تتى تيى ..))بالأمس هزم المريخ الموردة اربعة واحد..فى عنفوان الشباب وفرحة النصر ..قام بدوران ليقف بالمحطة ويهرب من تكتل البشر الى مكان آمن وجاء فاضى وخالى الهموم ليعمل ((فردة))معتبره..احد مشجعى الموردة رغم حرارة الشمس ويريد مقعدا فى حافلة بتاع المريخ لم يثنية للرد عليه ..رشيتو الحكم ياصهاينة..إلتفت ليرد دون ان يوقف الحافلة ولكن قبل رده ردت عليه صيحة قوية صرخة إمرأة ((مشجعة عجوز))ولكن بطريقتها الخاصة كما تفعل مع الملاكى وكانت حريصة على الولوج وهذه فرصة لمقعد لعالم جديد نفق ليس له قرار..صوتها تحت رفاريف الحافلة ..شهيدة ..بنياشينها ((حجولها)) رمز الإباء من قماش كضابط شهيد من اسرة مغمورة ..جاوبها صوت اخر تراجيدى ..ووب على يومه ووب يومة ماماتت ..شجت الحافلة رأسها الذى داخ ومات من زمان ..احتضنتها بنتها ..وجسمها يحاول ان يتحرك ولكن ليس هناك حافز للحياة كل شبر من جسمها يريد ان يرتاح..لم يبقى إلا الجوال الفاضى على يدها التى إمتلأت عرقا ..ولكن محكم القبضة كأنها تقول لخديجة امسكى على المبادئ الأمانة كما انا ممسكة على الجوال حتى بعد موتى..وسبق القدر صفارة رجل الحركة التى جاءت متأخرة..إندهش السائق جاديين وظن ان الصفارة صفارة الحكم فأرتعشت اياديه وارتعش الكون بموجة كداحة غطت الكتل البشرية..كما غطى الظلم على كثيرا من الناس ..جاديين قاتل امه تحت رفارف حافلته ..