فن القراءة
نظرة حول الاستاطيقا
مشرط البدء : (علاقة الجمال بالفن)
لا ينفصل الجمال عن الفن ، فإذا كان الفن وهو اللسان الذي يقوم بوظيفة الكلام ، فإن الجمال هو الكلام الذي يخرج من اللسان ، فأنت تعرف إذا كان بالبئر ماء ترمي عليه الدلو ، ويكون نتيجة هذا الارتماء هو الارتواء من العطش ، كذلك الجمال فهو الدلو الذي يلقي على بئر الفن ليخرج لنا ماء نرتوي به من لظى وهجير الحياة ومنغصاتها .
فلا يوجد تصور للجمال بلا فن ، ولا تصور للفن بلا جمال فالفن قبل أن يترجم كان فكرة فيها تمازج وتمايز أحداث جمالية ، والدار قبل أن تترجم كانت حقائق فيها تمازج وتمايز ثم قام الفنان المهندس بعكس ذلك على الواقع الملموس بالبنيان ، وقام الأديب بعكسه بالكلمات والجمل ، ولا فارق بين الاثنين فالمهندس ترجم الحقائق من أشكال ومقاييس ومواد ، وأن الأديب ترجم الحقائق والوجدان معاً .. بمعني أن الأول ترجم العقل وأن الآخر ترجم النفس والنفس تساوي الوجدان والعقل معاً .. وعلى هذا فالجمال هو الفن قبل الترجمة ، وهو فن بالقوة .. والفن هو الجمال بعد أن ترجم أو هو الجمال بالفعل (كما يقول المناطقة) فهم يقولون عن (السكين) قاطعه بالقوة ، وقاطعه بالفعل بعد أن قطعت ... والفنان هو الوسيط الموهوب بين الاثنين أعني الجمال والفن أو همزة الوصل بعبارة أخرى.
مشرط أول (الفن وقاعدة الجمال )
للفيلسوف الفرنسي (الآن) مقولة هزتني عقلياً فهو يقول : (أن قاعدة الجمال لا تستبين إلا في صميم العمل الفني) فهو يعني بذلك أنه ليس ثمة فارق في النشاط الفني بين عملية التخيل أو التصور من جهة وعملية الإنتاج أو الصناعة من جهة أخري .
والواقع أن الفن والذي كنت أظنه نتاج إلهامات جعله (ألان) أقرب إلي الصناعة لأنه يري أن فيه جهداً إبداعياً حيث يستشعر فيه الفنان مقاومة المادة .. فضلاً عن أنه علي وعي تام بما يتطلبه الفن من جهد شاق ومران طويل وصنعه ممتازة .. بل أن (ألان) يمضي إلي حد أبعد من ذلك ، فيُقرر أنه ليس لدي الفنان أفكار سابقة محددة ، وإنما تجيئه (الأفكار) كلما أوغل في الإنتاج والعمل ، ويمكن أن نقول بأن هذه (الأفكار) نفسها لا تصبح واضحة محددة ، اللهم إلا بعد أن يكون (العمل الفني) قد أكتمل !! وهكذا يصبح أن نقول : أن الفنان هو (المتفرج) الأول الذي يشهد مولد عمله الفني .
مشرط أخير (الخاتمة)
الإنسان بلا قيم توجهه كسفينة بلا شراع في بحر الحياة الصاخب ، والفلسفة تري أن هناك ثلاث قيم رئيسية توجه حياة الإنسان هي الحق والخير والجمال .
فالحق : هو القيمة التي يسعي إليها في حياته العقلية وهو قيمة المعرفة والخير : هو القيمة التي يسعي إلي تحقيقها سلوكه ، وهي قيمة لحياته الأخلاقية .
أما الجمال : فهو القيمة التي يسعي إلي تحقيقها في كل ما يصنعه ، ويرتقي بشعوره وذوقه ، وهو غاية الفنان في إبداعه وتذوقه ، ومن هنا نري أن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بفضل تمسكه بهذه القيم الثلاثة وحولها تدور فروع الفلسفة المختلفة .
وأنا قد لفت نظري ما ذهب إليه . صوفية الإسلام من تأمل للذات الإلهية وتجليات جمالها في المخلوقات فهذا ابن الفارض يقول :
فكل مليح حسنه من جمالها معار له أو حسن كل مليحة
أما ابن عربي فيأخذ في سرد الرموز المعبرة عن الحقيقة الإلهية متغزلاً في تجلياتها فيقول :
أبرق لاح من جانب الغور لامع
أم ارتفعت عن وجه ليلي البراقع
فيا قلب شاهـد حسنها وجمالها
ففيها لأسرار الجمــال ودائع
وقبل كل ذلك كان الفيلسوف اليوناني أفلاطون أسبق الفلاسفة إلي وضع نظرية ميتافيزيقية في الجمال ، وذلك حين وصف الجمال بأنه مثال خالد مطلق في عالم الروح أو عالم المثل ، ولأنه مطلق ومثالي لا يقع تحت حواس الإنسان ، وإنما تعاينه النفس في حياتها السماوية السابقة علي وجودها في الأرض ، ويحدث عندما تري أمثلة له علي هذه الأرض تنجذب لها إلي حد قد يُصيبها بهوس الحب الذي يُطلق عليه اسم Mania وهو ليس مرضاً ؛ لأنه جنون مصدره الآله ، وهو يُصيب أصنافاً من البشر منهم الصوفية أتباع الديانات السرية ، ومنهم العرافين المتنبئين بالغيب ومنهم الشعراء ومنهم أخيراً محبي الجمال في كل صوره.
وفي الختام حتى الملتقي أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيم شر الابتذال في الأشياء ..
نظرة حول الاستاطيقا
مشرط البدء : (علاقة الجمال بالفن)
لا ينفصل الجمال عن الفن ، فإذا كان الفن وهو اللسان الذي يقوم بوظيفة الكلام ، فإن الجمال هو الكلام الذي يخرج من اللسان ، فأنت تعرف إذا كان بالبئر ماء ترمي عليه الدلو ، ويكون نتيجة هذا الارتماء هو الارتواء من العطش ، كذلك الجمال فهو الدلو الذي يلقي على بئر الفن ليخرج لنا ماء نرتوي به من لظى وهجير الحياة ومنغصاتها .
فلا يوجد تصور للجمال بلا فن ، ولا تصور للفن بلا جمال فالفن قبل أن يترجم كان فكرة فيها تمازج وتمايز أحداث جمالية ، والدار قبل أن تترجم كانت حقائق فيها تمازج وتمايز ثم قام الفنان المهندس بعكس ذلك على الواقع الملموس بالبنيان ، وقام الأديب بعكسه بالكلمات والجمل ، ولا فارق بين الاثنين فالمهندس ترجم الحقائق من أشكال ومقاييس ومواد ، وأن الأديب ترجم الحقائق والوجدان معاً .. بمعني أن الأول ترجم العقل وأن الآخر ترجم النفس والنفس تساوي الوجدان والعقل معاً .. وعلى هذا فالجمال هو الفن قبل الترجمة ، وهو فن بالقوة .. والفن هو الجمال بعد أن ترجم أو هو الجمال بالفعل (كما يقول المناطقة) فهم يقولون عن (السكين) قاطعه بالقوة ، وقاطعه بالفعل بعد أن قطعت ... والفنان هو الوسيط الموهوب بين الاثنين أعني الجمال والفن أو همزة الوصل بعبارة أخرى.
مشرط أول (الفن وقاعدة الجمال )
للفيلسوف الفرنسي (الآن) مقولة هزتني عقلياً فهو يقول : (أن قاعدة الجمال لا تستبين إلا في صميم العمل الفني) فهو يعني بذلك أنه ليس ثمة فارق في النشاط الفني بين عملية التخيل أو التصور من جهة وعملية الإنتاج أو الصناعة من جهة أخري .
والواقع أن الفن والذي كنت أظنه نتاج إلهامات جعله (ألان) أقرب إلي الصناعة لأنه يري أن فيه جهداً إبداعياً حيث يستشعر فيه الفنان مقاومة المادة .. فضلاً عن أنه علي وعي تام بما يتطلبه الفن من جهد شاق ومران طويل وصنعه ممتازة .. بل أن (ألان) يمضي إلي حد أبعد من ذلك ، فيُقرر أنه ليس لدي الفنان أفكار سابقة محددة ، وإنما تجيئه (الأفكار) كلما أوغل في الإنتاج والعمل ، ويمكن أن نقول بأن هذه (الأفكار) نفسها لا تصبح واضحة محددة ، اللهم إلا بعد أن يكون (العمل الفني) قد أكتمل !! وهكذا يصبح أن نقول : أن الفنان هو (المتفرج) الأول الذي يشهد مولد عمله الفني .
مشرط أخير (الخاتمة)
الإنسان بلا قيم توجهه كسفينة بلا شراع في بحر الحياة الصاخب ، والفلسفة تري أن هناك ثلاث قيم رئيسية توجه حياة الإنسان هي الحق والخير والجمال .
فالحق : هو القيمة التي يسعي إليها في حياته العقلية وهو قيمة المعرفة والخير : هو القيمة التي يسعي إلي تحقيقها سلوكه ، وهي قيمة لحياته الأخلاقية .
أما الجمال : فهو القيمة التي يسعي إلي تحقيقها في كل ما يصنعه ، ويرتقي بشعوره وذوقه ، وهو غاية الفنان في إبداعه وتذوقه ، ومن هنا نري أن الإنسان لا يكون إنساناً إلا بفضل تمسكه بهذه القيم الثلاثة وحولها تدور فروع الفلسفة المختلفة .
وأنا قد لفت نظري ما ذهب إليه . صوفية الإسلام من تأمل للذات الإلهية وتجليات جمالها في المخلوقات فهذا ابن الفارض يقول :
فكل مليح حسنه من جمالها معار له أو حسن كل مليحة
أما ابن عربي فيأخذ في سرد الرموز المعبرة عن الحقيقة الإلهية متغزلاً في تجلياتها فيقول :
أبرق لاح من جانب الغور لامع
أم ارتفعت عن وجه ليلي البراقع
فيا قلب شاهـد حسنها وجمالها
ففيها لأسرار الجمــال ودائع
وقبل كل ذلك كان الفيلسوف اليوناني أفلاطون أسبق الفلاسفة إلي وضع نظرية ميتافيزيقية في الجمال ، وذلك حين وصف الجمال بأنه مثال خالد مطلق في عالم الروح أو عالم المثل ، ولأنه مطلق ومثالي لا يقع تحت حواس الإنسان ، وإنما تعاينه النفس في حياتها السماوية السابقة علي وجودها في الأرض ، ويحدث عندما تري أمثلة له علي هذه الأرض تنجذب لها إلي حد قد يُصيبها بهوس الحب الذي يُطلق عليه اسم Mania وهو ليس مرضاً ؛ لأنه جنون مصدره الآله ، وهو يُصيب أصنافاً من البشر منهم الصوفية أتباع الديانات السرية ، ومنهم العرافين المتنبئين بالغيب ومنهم الشعراء ومنهم أخيراً محبي الجمال في كل صوره.
وفي الختام حتى الملتقي أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيم شر الابتذال في الأشياء ..