[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الهادي آدم (1927 – 2006)
الهادي آدم شاعر سوداني ولد بقرية الهلالية في السودان تخرج في كلية دار العلوم بالجامعة المصرية وحصل علي درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، وحصل علي دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس، ثم حصل علي الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان وعمل معلماً بوزارة التعليم وتدرج في وظيفته الى أن صار مشرفاً تربوياً بوزارة التعليم .
للشاعر آدم شعر وافر وله دواوين، اشهرها ديوان كوخ الأشواق ، الذي يعده النقاد من أفضل ما قدم للأدب وللمكتبة السودانية، وكتب في مجالات الابداع الأدبي الأخرى، واشهر ما كتب في هذا المضمار مسرحية بإسم سعاد . كتب عدة أشعار منها قصيدة أغداً ألقاك التي غنتها المطربه أم كلثوم. فيما كتب العديد من القصائد آخرها قصيدة لم تنشر بعد بعنوان لن يرحل النيل يصور فيها بريشة الفنان ذكرياته العزيزة التي عاد يتفقدها في حي منيل الروضة الذي سكنه في صباه . ويعتبر النقاد في الخرطوم الراحل آدم، 80 عاما، أنه ظل لعقود في مصاف الشعراء الكبار، ليس على مستوى السودان، وإنما على مستوى العالم العربي. ورغم انتمائه لجيل سابق للحركة الشعرية المعاصرة، فإنه يعتبر من الشعراء المحدثين.
والهادي آدم من المعلمين القدامى في السودان في شتى المراحل الدراسية، خاصة المرحلة الثانوية العليا. ويشهد له النقاد ودارسو تاريخ الأدب في بلاده، بأنه من اوائل الذين ساهموا في نهضة الشعر في البلاد، من خلال الجمعيات الأدبية التي كان يشرف عليها في المدارس التي عمل فيها في شتى بقاع السودان.
يذكر أن قصيدة (أغداً القاك) اختارتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم من بين عشرات القصائد التي قدمت لها إبان زيارتها للسودان في عام 1968، عندما زارت الخرطوم.
توفي رحمة الله عليه بعد معاناة طويلة من المرض، وشيع الى مثواه الأخير في مدينة الهلالية وسط السودان في 30 نوفمبر 2006.
مدرسته واتجاهاته الأدبية :
لم يتأثر الهادي آدم بمدرسة شعرية واحدة، ولم يكن ينتمي لتيار أيديولوجي كما أقرانه من الشعراء السودانيين الذين درسوا بمصر كالفيتوري ومحيي الدين فارس وتاج السر الحسن المعروفين بيساريتهم الصارخة، وكان رائدا في التمثيل الشعري في السودان بمسرحيته الشعرية سعاد التي خرجت الى النور عام 1955، والتي أهداها الى الاتحاد النسائي دعما منه لتحرير المرأة من التقاليد البالية التي تؤثر على تقدمها.
في ديوانه (نوافذ العدم) الذي خرج الى النور عام 1996جمع قصائد كتبها منذ السبعينات للبنان ودمشق وفلسطين ولثورة أبريل 1986 وأفريقيا، وقصائد أخرى لمشاهد من الحياة، كقصيدة نثرية عن (الزار) راسما صورة دقيقة لأحداثه وأبطاله يقول فيها:
وهناك فلانة تحتضر
والغرفة توشك تنفجر
والشيخة تدنو منها تتنهد
وبيمناها منديل أحمر
ضمخه المسك ووشاه العنبر
وبيسراها علبة عسجد
تفتحها كبتول تتعبد
وغطاء تجذبه جذبة
فإذا بفلانة تنهض في جلبة
وتدور مرارا في الحلبة
وخروف ذبحته في الدار
شربت من دمه الحار
وفي نعي عبد الناصر كتب قصيدة عنوانها أكذا تفارقنا ؟
أكذا تفارقنا بغير وداع يا منية الأبصار والأسماع
أكذا تفارقنا وسينا لم تزل تجتاح بين ثعالب وسباع
وشواهق الجولان عند مكابر متزايد الآمال والأطماع
والقدس في أيدي اللئام تشبثوا فيها بأشرف تربة وبقاع
ورغم قصائده التي تناولت العديد من المواضيع، بالشعر الحر والمقفى إلا أن قلة من الناس يعرفونها، فكما أن بعض الأدباء يكونون أسرى للعمل الفذ الذى يطغى على باقي الأعمال الأدبية وأشهرهم الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال، وقنديل أم هاشم ليحيى حقي ، فكذا الحال كان مع الهادي آدم فلا يذكر اسمه إلا ويعقبه التعليق (شاعر قصيدة أغداً ألقاك) .
كل الشعراء كانوا يحلمون بأن تغني قصائدهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم ويلحنها الموسيقار الكبير عبد الوهاب، وعند زيارتها للخرطوم نهاية الستينات وبعد الاستقبال الكبير لها، قررت أن تغني قصيدة لأحد شعرائها، وكان أن وقع اختيارها على قصيدته (الغد) التي حولت اسمها الى (أغداً ألقاك) وغنتها عام1971 بمسرح سينما (قصر النيل) ليسمعها الجمهور العربي من الخليج الى المحيط.
وكانت سعادة الهادي آدم كبيرة بهذا العمل، بالرغم من أنه اضطر إلى تغيير أبيات بأكملها بل وتغيير شطرات من أشعاره في هذه القصيدة حتى تغنيها أم كلثوم إلا أنه لم يتوقع أن تصبح حياته أسيرة هذه القصيدة، فرغم دواوينه الثلاثة التي تضم أكثر من مائة قصيدة كتبت منذ أربعينات القرن الماضي وحتى نهاية التسعينات، لم يغن أحد من الفنانين السودانيين أياً من قصائده، ولم يتناولها النقاد بالقدر الكافي من الاهتمام أو الدراسة. ويحكي الصحافيون أنهم عندما يريدون إجراء حوار معه، كان يشترط عليهم بشدة قبل الحوار ألا يسألوه إطلاقا عن قصيدة (أغداً ألقاك)، فيخيب مسعى الصحافي ويظل يدور في فلكها عله يظفر بحديث أو بشيء جديد عنها. وكان الهادي آدم يكتب مقدمات دواوينه الشعرية بنفسه، واللافت أنه لم يشر أبدا لقصيدة (أغدا ألقاك) في أي من المقدمات ولا الى غنائها من قبل أم كلثوم، بل المدهش أن إصدارة المجموعة الكاملة التي خرجت بعد أيام قليلة من وفاته جاءت فيها قصيدة (أغدا ألقاك) بعنوان (الغد). فالهادي آدم ظل محافظا على اسمها الأول في محاولة (يائسة) منه لعدم لفت نظر القارئ إليها حتى لا تكون (جوهرة) الديوان. لكن يبدو أن لعنة (أغدا ألقاك) ـ إذا ما جاز التعبير ظلت تلاحقه، فقد منح وسام الجمهورية الذهبي بسببها، وكذلك كرمته السفارة المصرية بالخرطوم مؤخرا، وبعد وفاته في شهر ديسمبر الماضي نعته وسائل الإعلام والملفات الثقافية بالصحف بـ (رحل صاحب أغدا ألقاك) وأدرج نص القصيدة ومناسبة غنائها، فظلت هي القمة التي وصل إليها باكرا جدا على ما يبدو!
قصة اختيار أم كلثوم لقصيدة أغداً ألقاك :
في عام 1970نشر الشاعر صالح جودت في إحدى مقالاته الأسبوعية يقول:
بعد أن غنت أم كلثوم حفلتيها في السودان في إطار حملتها لدعم المجهود الحربي في مصر بعد النكسة عام 1967 ، عادت من هناك تحمل في صدرها شحنة دافئة من الحب للسودانيين وقالت : إن البلاد العربية جميعاً تعيش مع مصر في محنة النكسة، ولكن أعمقهم شعوراً بها هم أهل السودان وإن مستوى الألم في النفس السودانية هو نفس مستواه في النفس المصرية، لقد كنت أدخل بيوتهم فأحس أنني في بيتي وألتقي بهم فأشعر بأنني بين أهلي وعشيرتي .
وكانت تلك الرغبة وفق ما رواه الشاعر صالح جودت هي الدافع الأساسي لدى أم كلثوم لكي تغني فعلاً كلمات من إحدى قصائد أحد شعراء السودان المعاصرين.
ومن أجل ذلك فقد كلفت صالح جودت نفسه بالبحث عن هذه القصيدة.
وعن هذا قال: اتفقنا على أن نبحث عن القصيدة المنشودة، وطفت بمكتبات القاهرة واستعنت بالأصدقاء فتجمعت لدي سبعة دواوين لسبعة شعراء، ومضيت أدرسها ثم اخترت من كل منها قصيدة تتوفر فيها الصلاحية الغنائية، وأرسلت القصائد السبع لأم كلثوم لتفاضل بينها.
وبعد أيام سألتني أم كلثوم أيهم أفضل قلت: لقد تركت لك مهمة المفاضلة، حتى لا أكون منحازاً لشاعر دون آخر، قالت لقد اخترت واحدة منها بالفعل ولكن لن أذكرها لك حتى أعرف رأيك.. قلت: إذا كنت تصرين فإنني أفضل قصيدة الهادي آدم فهي أصلحها للغناء.. قالت لخفة ظلها المعهود: برافو عليّ أنا فهذه هي القصيدة التي اخترتها بالفعل .ومن بعد هذا الاختيار شدت أم كلثوم فعلاً بكلمات هذه القصيدة في 6 مايو عام 1971بعد أن وضع لها الألحان المتميزة محمد عبد الوهاب.
وبالرجوع إلى ديوان الشاعر السوداني الهادي آدم الذي نشرت به هذه القصيدة، يتضح أن ما نشر بالديوان شيء وما غنته أم كلثوم شئ مختلف تماماً حتى أنه قد يبدو أن الشاعر السوداني قد اضطر لإعادة صياغة كلمات هذه القصيدة من جديد وذلك إرضاءً لأم كلثوم وشهرتها العريضة.
ففي الديوان المنوه عنه والذي صدر في عام 1962تحت عنوان كوخ الأشواق عن إحدى دور النشر السودانية بالقاهرة العنوان الاصلى لقصيدة أغداً القاك هو الغد وأن مطلعها هو:
أغداً ألقاك
يا لهف فؤادي من غد
وأحييك ولكن
بفؤادي أم يدي
وقد أشار صالح جودت و الذي يعود إليه الفضل في اختيارها إلى وجود تعديلات على هذه القصيدة حيث قال: وجاء الهادي أدم إلى القاهرة والتقى بأم كلثوم وكان معها محمد عبد الوهاب وقرأوا القصيدة مرة واثنين وثلاثاً وعشراً وعدلوا وبدلوا وقدموا وأخروا، إلى أن استقروا على الصورة النهائية لهذه القصيدة ولقد بقيت في أدراج أم كلثوم حوالي عام دون أن تشدو بها.
ومما يجدر الإشارة إلى أن كم التعديلات التي إجريت على كلمات هذه القصيدة كبير لدرجة لم نعهدها في غيرها من القصائد التي تغنت بها أم كلثوم..
وأولى هذه التعديلات كما سبق وذكرنا كان في عنوان القصيدة نفسها ثم شمل بعد ذلك الأبيات والكثير من كلمات هذه الأبيات.
إنه ولاشك مجهود كبير بذله الشاعر الهادي آدم حتى تصل كلماته إلى صوت وحنجرة كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك إلى آذان الملايين من عشاقها.. كما كتبت له في الوقت نفسه شهادة بقاء أبدي في عالم الشهرة وعالم قصائد الشعر .
أغدا ألقاك
أغدا ألقاك يا خوف فؤادي من غدا
يالشوق واحترافي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وارجوه اقترابا
كنت استدينه ولكن هبته لما أهابا
واهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا احتمل العمر نعيما وعذابا
مهجة جرى وقلبا مسه الشوق فدابا
أغدا ألقاك ؟
أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوبي
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغدا تشرق أضواؤك في ليل عيوني
آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني
كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء
يا رجائي أنا لم عذبني طول الرجاء
أنا لك أنت أنت لم أرحل بمن راح وجاء
أنا أحيا بعد اشواقي بأحلام اللقاء
فتأت أو لا تأت أو افعل بقلبي ما تشاء
أغدا ألقاك ؟
هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر
فأرحم القلب الذي يصفو اليك
لغدا تملكه بين يديك
وغدا تأتق الجنة أنهارا وظلا
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
وغدا نسمو فلا نعرف للغيب محلا
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
قد يكون الغيب حلوا
انما الحاضر ..... أحلى
أغدا ألقاك؟
الهادي آدم (1927 – 2006)
الهادي آدم شاعر سوداني ولد بقرية الهلالية في السودان تخرج في كلية دار العلوم بالجامعة المصرية وحصل علي درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، وحصل علي دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس، ثم حصل علي الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان وعمل معلماً بوزارة التعليم وتدرج في وظيفته الى أن صار مشرفاً تربوياً بوزارة التعليم .
للشاعر آدم شعر وافر وله دواوين، اشهرها ديوان كوخ الأشواق ، الذي يعده النقاد من أفضل ما قدم للأدب وللمكتبة السودانية، وكتب في مجالات الابداع الأدبي الأخرى، واشهر ما كتب في هذا المضمار مسرحية بإسم سعاد . كتب عدة أشعار منها قصيدة أغداً ألقاك التي غنتها المطربه أم كلثوم. فيما كتب العديد من القصائد آخرها قصيدة لم تنشر بعد بعنوان لن يرحل النيل يصور فيها بريشة الفنان ذكرياته العزيزة التي عاد يتفقدها في حي منيل الروضة الذي سكنه في صباه . ويعتبر النقاد في الخرطوم الراحل آدم، 80 عاما، أنه ظل لعقود في مصاف الشعراء الكبار، ليس على مستوى السودان، وإنما على مستوى العالم العربي. ورغم انتمائه لجيل سابق للحركة الشعرية المعاصرة، فإنه يعتبر من الشعراء المحدثين.
والهادي آدم من المعلمين القدامى في السودان في شتى المراحل الدراسية، خاصة المرحلة الثانوية العليا. ويشهد له النقاد ودارسو تاريخ الأدب في بلاده، بأنه من اوائل الذين ساهموا في نهضة الشعر في البلاد، من خلال الجمعيات الأدبية التي كان يشرف عليها في المدارس التي عمل فيها في شتى بقاع السودان.
يذكر أن قصيدة (أغداً القاك) اختارتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم من بين عشرات القصائد التي قدمت لها إبان زيارتها للسودان في عام 1968، عندما زارت الخرطوم.
توفي رحمة الله عليه بعد معاناة طويلة من المرض، وشيع الى مثواه الأخير في مدينة الهلالية وسط السودان في 30 نوفمبر 2006.
مدرسته واتجاهاته الأدبية :
لم يتأثر الهادي آدم بمدرسة شعرية واحدة، ولم يكن ينتمي لتيار أيديولوجي كما أقرانه من الشعراء السودانيين الذين درسوا بمصر كالفيتوري ومحيي الدين فارس وتاج السر الحسن المعروفين بيساريتهم الصارخة، وكان رائدا في التمثيل الشعري في السودان بمسرحيته الشعرية سعاد التي خرجت الى النور عام 1955، والتي أهداها الى الاتحاد النسائي دعما منه لتحرير المرأة من التقاليد البالية التي تؤثر على تقدمها.
في ديوانه (نوافذ العدم) الذي خرج الى النور عام 1996جمع قصائد كتبها منذ السبعينات للبنان ودمشق وفلسطين ولثورة أبريل 1986 وأفريقيا، وقصائد أخرى لمشاهد من الحياة، كقصيدة نثرية عن (الزار) راسما صورة دقيقة لأحداثه وأبطاله يقول فيها:
وهناك فلانة تحتضر
والغرفة توشك تنفجر
والشيخة تدنو منها تتنهد
وبيمناها منديل أحمر
ضمخه المسك ووشاه العنبر
وبيسراها علبة عسجد
تفتحها كبتول تتعبد
وغطاء تجذبه جذبة
فإذا بفلانة تنهض في جلبة
وتدور مرارا في الحلبة
وخروف ذبحته في الدار
شربت من دمه الحار
وفي نعي عبد الناصر كتب قصيدة عنوانها أكذا تفارقنا ؟
أكذا تفارقنا بغير وداع يا منية الأبصار والأسماع
أكذا تفارقنا وسينا لم تزل تجتاح بين ثعالب وسباع
وشواهق الجولان عند مكابر متزايد الآمال والأطماع
والقدس في أيدي اللئام تشبثوا فيها بأشرف تربة وبقاع
ورغم قصائده التي تناولت العديد من المواضيع، بالشعر الحر والمقفى إلا أن قلة من الناس يعرفونها، فكما أن بعض الأدباء يكونون أسرى للعمل الفذ الذى يطغى على باقي الأعمال الأدبية وأشهرهم الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال، وقنديل أم هاشم ليحيى حقي ، فكذا الحال كان مع الهادي آدم فلا يذكر اسمه إلا ويعقبه التعليق (شاعر قصيدة أغداً ألقاك) .
كل الشعراء كانوا يحلمون بأن تغني قصائدهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم ويلحنها الموسيقار الكبير عبد الوهاب، وعند زيارتها للخرطوم نهاية الستينات وبعد الاستقبال الكبير لها، قررت أن تغني قصيدة لأحد شعرائها، وكان أن وقع اختيارها على قصيدته (الغد) التي حولت اسمها الى (أغداً ألقاك) وغنتها عام1971 بمسرح سينما (قصر النيل) ليسمعها الجمهور العربي من الخليج الى المحيط.
وكانت سعادة الهادي آدم كبيرة بهذا العمل، بالرغم من أنه اضطر إلى تغيير أبيات بأكملها بل وتغيير شطرات من أشعاره في هذه القصيدة حتى تغنيها أم كلثوم إلا أنه لم يتوقع أن تصبح حياته أسيرة هذه القصيدة، فرغم دواوينه الثلاثة التي تضم أكثر من مائة قصيدة كتبت منذ أربعينات القرن الماضي وحتى نهاية التسعينات، لم يغن أحد من الفنانين السودانيين أياً من قصائده، ولم يتناولها النقاد بالقدر الكافي من الاهتمام أو الدراسة. ويحكي الصحافيون أنهم عندما يريدون إجراء حوار معه، كان يشترط عليهم بشدة قبل الحوار ألا يسألوه إطلاقا عن قصيدة (أغداً ألقاك)، فيخيب مسعى الصحافي ويظل يدور في فلكها عله يظفر بحديث أو بشيء جديد عنها. وكان الهادي آدم يكتب مقدمات دواوينه الشعرية بنفسه، واللافت أنه لم يشر أبدا لقصيدة (أغدا ألقاك) في أي من المقدمات ولا الى غنائها من قبل أم كلثوم، بل المدهش أن إصدارة المجموعة الكاملة التي خرجت بعد أيام قليلة من وفاته جاءت فيها قصيدة (أغدا ألقاك) بعنوان (الغد). فالهادي آدم ظل محافظا على اسمها الأول في محاولة (يائسة) منه لعدم لفت نظر القارئ إليها حتى لا تكون (جوهرة) الديوان. لكن يبدو أن لعنة (أغدا ألقاك) ـ إذا ما جاز التعبير ظلت تلاحقه، فقد منح وسام الجمهورية الذهبي بسببها، وكذلك كرمته السفارة المصرية بالخرطوم مؤخرا، وبعد وفاته في شهر ديسمبر الماضي نعته وسائل الإعلام والملفات الثقافية بالصحف بـ (رحل صاحب أغدا ألقاك) وأدرج نص القصيدة ومناسبة غنائها، فظلت هي القمة التي وصل إليها باكرا جدا على ما يبدو!
قصة اختيار أم كلثوم لقصيدة أغداً ألقاك :
في عام 1970نشر الشاعر صالح جودت في إحدى مقالاته الأسبوعية يقول:
بعد أن غنت أم كلثوم حفلتيها في السودان في إطار حملتها لدعم المجهود الحربي في مصر بعد النكسة عام 1967 ، عادت من هناك تحمل في صدرها شحنة دافئة من الحب للسودانيين وقالت : إن البلاد العربية جميعاً تعيش مع مصر في محنة النكسة، ولكن أعمقهم شعوراً بها هم أهل السودان وإن مستوى الألم في النفس السودانية هو نفس مستواه في النفس المصرية، لقد كنت أدخل بيوتهم فأحس أنني في بيتي وألتقي بهم فأشعر بأنني بين أهلي وعشيرتي .
وكانت تلك الرغبة وفق ما رواه الشاعر صالح جودت هي الدافع الأساسي لدى أم كلثوم لكي تغني فعلاً كلمات من إحدى قصائد أحد شعراء السودان المعاصرين.
ومن أجل ذلك فقد كلفت صالح جودت نفسه بالبحث عن هذه القصيدة.
وعن هذا قال: اتفقنا على أن نبحث عن القصيدة المنشودة، وطفت بمكتبات القاهرة واستعنت بالأصدقاء فتجمعت لدي سبعة دواوين لسبعة شعراء، ومضيت أدرسها ثم اخترت من كل منها قصيدة تتوفر فيها الصلاحية الغنائية، وأرسلت القصائد السبع لأم كلثوم لتفاضل بينها.
وبعد أيام سألتني أم كلثوم أيهم أفضل قلت: لقد تركت لك مهمة المفاضلة، حتى لا أكون منحازاً لشاعر دون آخر، قالت لقد اخترت واحدة منها بالفعل ولكن لن أذكرها لك حتى أعرف رأيك.. قلت: إذا كنت تصرين فإنني أفضل قصيدة الهادي آدم فهي أصلحها للغناء.. قالت لخفة ظلها المعهود: برافو عليّ أنا فهذه هي القصيدة التي اخترتها بالفعل .ومن بعد هذا الاختيار شدت أم كلثوم فعلاً بكلمات هذه القصيدة في 6 مايو عام 1971بعد أن وضع لها الألحان المتميزة محمد عبد الوهاب.
وبالرجوع إلى ديوان الشاعر السوداني الهادي آدم الذي نشرت به هذه القصيدة، يتضح أن ما نشر بالديوان شيء وما غنته أم كلثوم شئ مختلف تماماً حتى أنه قد يبدو أن الشاعر السوداني قد اضطر لإعادة صياغة كلمات هذه القصيدة من جديد وذلك إرضاءً لأم كلثوم وشهرتها العريضة.
ففي الديوان المنوه عنه والذي صدر في عام 1962تحت عنوان كوخ الأشواق عن إحدى دور النشر السودانية بالقاهرة العنوان الاصلى لقصيدة أغداً القاك هو الغد وأن مطلعها هو:
أغداً ألقاك
يا لهف فؤادي من غد
وأحييك ولكن
بفؤادي أم يدي
وقد أشار صالح جودت و الذي يعود إليه الفضل في اختيارها إلى وجود تعديلات على هذه القصيدة حيث قال: وجاء الهادي أدم إلى القاهرة والتقى بأم كلثوم وكان معها محمد عبد الوهاب وقرأوا القصيدة مرة واثنين وثلاثاً وعشراً وعدلوا وبدلوا وقدموا وأخروا، إلى أن استقروا على الصورة النهائية لهذه القصيدة ولقد بقيت في أدراج أم كلثوم حوالي عام دون أن تشدو بها.
ومما يجدر الإشارة إلى أن كم التعديلات التي إجريت على كلمات هذه القصيدة كبير لدرجة لم نعهدها في غيرها من القصائد التي تغنت بها أم كلثوم..
وأولى هذه التعديلات كما سبق وذكرنا كان في عنوان القصيدة نفسها ثم شمل بعد ذلك الأبيات والكثير من كلمات هذه الأبيات.
إنه ولاشك مجهود كبير بذله الشاعر الهادي آدم حتى تصل كلماته إلى صوت وحنجرة كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك إلى آذان الملايين من عشاقها.. كما كتبت له في الوقت نفسه شهادة بقاء أبدي في عالم الشهرة وعالم قصائد الشعر .
أغدا ألقاك
أغدا ألقاك يا خوف فؤادي من غدا
يالشوق واحترافي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وارجوه اقترابا
كنت استدينه ولكن هبته لما أهابا
واهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا احتمل العمر نعيما وعذابا
مهجة جرى وقلبا مسه الشوق فدابا
أغدا ألقاك ؟
أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوبي
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغدا تشرق أضواؤك في ليل عيوني
آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني
كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء
يا رجائي أنا لم عذبني طول الرجاء
أنا لك أنت أنت لم أرحل بمن راح وجاء
أنا أحيا بعد اشواقي بأحلام اللقاء
فتأت أو لا تأت أو افعل بقلبي ما تشاء
أغدا ألقاك ؟
هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر
فأرحم القلب الذي يصفو اليك
لغدا تملكه بين يديك
وغدا تأتق الجنة أنهارا وظلا
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
وغدا نسمو فلا نعرف للغيب محلا
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
قد يكون الغيب حلوا
انما الحاضر ..... أحلى
أغدا ألقاك؟