منتديات نادي الاتحاد سنجة

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر

مرحبا بكم منتديات نادي الاتحاد سنجة

ليس لك الصلاحية بالمشاركة في المنتدي

نسعد بشتراك معنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نادي الاتحاد سنجة

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي الزائر

مرحبا بكم منتديات نادي الاتحاد سنجة

ليس لك الصلاحية بالمشاركة في المنتدي

نسعد بشتراك معنا

منتديات نادي الاتحاد سنجة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتــديات نــادي الاتــحاد الرياضي الثقــافي الاجتــماعي سنجــة

بنت الجيران 478839134 بنت الجيران 478839134 بنت الجيران 478839134 بنت الجيران 478839134 بنت الجيران 478839134

2 مشترك

    بنت الجيران

    المشرف العام للمنتدي
    المشرف العام للمنتدي
    اتحادابي اصيل
    اتحادابي اصيل


    عدد المساهمات : 154
    نقاط : 435
    تاريخ التسجيل : 30/05/2012

    بنت الجيران Empty بنت الجيران

    مُساهمة من طرف المشرف العام للمنتدي الخميس يونيو 07, 2012 9:25 am

    منذ زمن بعيد، نظرت من شباك بيتنا في حينا القديم ببيروت، ووقعت عيناي على ابنة الجيران.. كانت جميلة، وبادلتني نظرات خجولة، ورأيت ابتسامة تشعّ من شفتيها وتضيء وجهها الأسمر.

    باكرا تغيّرت، وأصبحت أركض من المدرسة الى البيت، مسرعا الى الشباك لأراها قبل أن يأتي الليل.. سكبت لها المشاعر حبرا على الأوراق، ووصلتني منها كلمات كالوشوشات، مرفقة ببراعم وردية، ومضى عامان من مراهقة قصيرة احتوت أحلام القرون، لكنها تهاوت رفاتا بين الركام بأسوأ خبر: لم أعد أرى الشباك مفتوحا.

    رحت أسأل الجيران عن الجيران، فقال صاحب دكان قريب إنهم هاجروا كمغتربين، ولا أحد يعرف أين حطت بهم الرحال "رحلوا الى بلاد بعيدة..بعيدة يا عم. لم أعد أذكر إسمها ولا أين تقع".

    وتهاوت الذكريات مضرجة تحت عجلات السنين، والدنيا الكبيرة تقلصت وتغيرت، وأطل عليها كل جديد: فاكسات وهواتف نقالة وفضائيات، وشبكات إنترنت تربط الناس من وراء المسافات، وصحف دولية تعبر الحدود والقارات، كصحيفة كنت أعمل فيها بلندن، وبدأ قاريء يطالعها في شاشة إنترنت بمدينة نائية في قارة محاطة بالماء بعيدة، ليجد فيها ما أعاد الحياة إلى رفات كانت بين الركام دفينة.

    كان الوقت فجرا في القارة المحاطة بالماء، وأول الليل في لندن. الهاتف يرن على طاولتي في الصحيفة ويحمل لي صدى ارتعاشات رفرفت من جوف ماض بعيد، كأنها تبحث في الزمان عن مكان.. سمعت سيدة تحدثني وتسألني بصوت فيه دهشة ولهفة، وتقول عبر الأثير المقبل من الفجر البعيد:

    قرأت خبرا على الإنترنت قبل لحظات.. قرأت إسمك ككاتب للخبر في الصحيفة. عرفت أخيرا أين أنت وتذكرتك يا ابن الجيران. تذكرت بيتنا في بيروت، والشباك وتلك الرسائل، فهل تتذكر ؟

    يا جارتي المنبعثة من ركام عواطفي الأولى، أتسمحين لي بنشر ما تبادله الهاتفان بيننا بعد أربعة وثلاثين سنة ؟

    قالت : "أرجوك، أرجوك. أكتب عما كان وطرأ الآن، فلعله لا يعود رفاتا كما كان، ولعل الزمان لا يمحوه أبدا بعد الآن".




    إنه أول الليل، وأنا أكاد أخرج من مكاتب صحيفة أعمل فيها في لندن، لكن رنين الهاتف استوقفني، فعدت وجلست، واذا بسيدة تحيّيني وتحدثني وتسألني :

    * آلو.. آلو، صباح الخير، من يتكلم ؟
    - أهلا، مساء الخير. أنا.. أنا فلان.. فلان من قسم التحرير.

    * مش معقول، يا الهي.. انني أتصل بك من "تسمانيا" لأتحدث اليك، انها الـ..
    - من أين تماما ؟

    * من أستراليا، من ولاية "تسمانيا" لأتحدث اليك.. انها الثالثة والنصف فجرا الآن، لذلك قلت صباح الخير.
    - وهي السادسة والنصف أول الليل في لندن. إن شاء الله خير، هل من خدمة يا سيدة ؟

    * كنت أقرأ خبرا منذ دقائق على الإنترنت في جريدتكم. خبر عن رجل أعدموه في غزة.
    - تريدين الاعتراض عما ورد فيه، أو شيء من هذا القبيل؟

    *لا، إنما قرأت اسمك ككاتب للخبر، فأردت التحدث اليك شخصيا اذا سمحت.. أنت من لبنان ؟
    - من لبنان، لماذا ؟

    * من أين من لبنان ؟
    - من بيروت.

    * من أين من بيروت ؟
    - لماذا هكذا يا سيدة ؟. يبدو أنك تحققين معي.

    * أرجوك، من أين من بيروت ؟
    - لنقل من رأس بيروت، قرب أوتيل البريستول وثكنة الشرطة ؟

    * ومن "تسمانيا". أنا لا أكذب عليك.
    * هل تتذكر جيرانكم في بيروت ؟
    - يتوقف أي جيران. قد أتذكر، ألهذا السبب تتصلين من أستراليا ؟

    * أرجوك، ألا تتذكر جيرانكم من زمان ؟
    - قلت لك يتوقف أي جيران، فأنا لم أعد أعيش هناك منذ زمن طويل.

    * سافرت الى لندن ؟
    - لندن جئتها منذ أربع سنوات فقط، بل الى البرازيل وبلدان الجوار.

    * ألا تتذكر جيرانكم في بيروت قبل السفر الى البرازيل ؟
    - ممكن، ولكن هل..

    * أنا جارة قديمة لكم في بيروت.
    - كنت جارتنا ؟ ولماذا لم تقولي من قبل ؟

    * ظننتك ستتذكرني بسرعة، ولو من صوتي.
    - كيف أتذكر. جيراننا كانوا بعدد شعر الرأس. من أنت تماما ؟

    * ألا تتذكر، ولو من الصوت واللهجة ؟
    - صعب.. هل أنت أم مصطفى مثلا ؟

    * من هي أم مصطفى ؟
    - لا أدري، اسم ورد على البال كيفما كان. لماذا لا تقولين من أنت، وكيف عرفت رقم هاتفي، ولماذا هذا الاتصال عند الفجر من أستراليا. هل هناك أمر خطير يا جارة ؟

    * اطمئن، أريد فقط أن أعرف اذا كنت تتذكرني، أو..
    - كيف تريدينني أن أتذكر ؟ هذا صعب. هل أنت أم يوسف اللحام ؟

    * لا، بل أصغر،أصغر. لم أكن متزوجة، كنت صغيرة.
    - صغيرة ؟ كم سنة كان عمرك تقريبا ؟

    * تقريبا خمسة عشر سنة على الأكثر.
    - وفي أي عام كان ذلك ؟

    * من زمن بعيد.
    - أعتقد أنك بنت الشرطي. لم أعد أذكر اسم عائلتهم.

    * أي شرطي ؟ عن أي سنوات تتكلم ؟
    - يعني، أواخر الستينات تقريبا، قبل السفر الى البرازيل.

    * وقبل ذلك بخمس سنوات أو أكثر، من كانوا جيرانكم ؟
    - يبدو أنك إحدى بنات مربّي الحمام، لم أعد أذكر اسمه أيضا.

    * لا. حاول أن تتذكر أكثر.
    - بنت الـ.. بنت اللحام ؟

    * أي لحام ؟.. الذي كان يشوي اللحم للزبائن على رصيف المحل ؟
    - وما زال يفعلها الى اليوم.. تعرفينه ؟

    * مش معقول، إلى اليوم يشوي على الرصيف ؟
    - يبدو أنك كنت ابنة جار مليونير.

    * لماذا تقول ذلك ؟
    - المكالمات غالية بين أستراليا ولندن.

    * لا يهم، ولكني أرجوك.. أرجوك، فأنا كنت جارتكم فعلا، ألم تتذكر بعد ؟
    - اذا لم تكوني ابنة جارنا اللحام، أو الشرطي، أو مربّي الحمام، أو لنقل ابنة أبو محمد، صاحب دكان السمانة، مع أنني لا أعرفها أيضا، فلن أجد في الذاكرة سواهم.

    * يبدو أنك نسيت.
    - أنا آسف. قولي من أنت.

    * أليس في البال غيرهم ؟
    - يجوز، ولكني لا أتذكر. قد تكونين ابنة القابلة أم سعيد.

    * لا، لأنني كنت بلا أم.. ماتت أمي وعمري خمس سنوات.
    - بنت سمسار السيارات ؟

    * لا، حاول أن تتذكر أكثر.
    - بنت الفرّان، قاتل ابن جارنا اللحام ؟

    * وهل مات ابن اللحام مقتولا ؟
    - يبدو أنك في أستراليا منذ زمن بعيد.

    * ...
    - ابنة أي جار تكوني ؟

    * ألم تتذكر بعد ؟
    - ساعديني بعض الشيء.

    * ok .. الشباك الأخضر، خلف البيت.
    - أي.. أي بيت ؟

    * بيتكم.
    - لا أصدق، يبدو أنك تتكلمين عن أبعد مما كنت أتصور.. انتظري قليلا، يعني أنت سهام التي كنت أسميها "سمراء" ؟

    * برافو، الآن عرفت.
    - مش معقول، مستحيل.. مهلا، مهلا، يبدو أنك تمزحين، وأنا لا أشعر بأنك.. اعطيني، ولو، ولو اشارة. ذكّريني بشيء واحد.

    * مرة، وكانت الدنيا تمطر، رأيتني من شرفة البيت وأنا على الطريق، فأسرعت. ركضت وأعطيتني مظلة، ومعها رسالة.. رسالة كانت فيها أشعار.
    - أشعار ؟ بحياتي لم أكتب الشعر، هذا غير معقول.. أنت "سمراء" ؟.. عندك اشارة غيرها ؟

    * ok.. أعطيتك صورتي، وأردت أن تعطيني صورتك، فلم تجد واحدة بالبيت..رأيتني في اليوم التالي، وانتزعت صورتك عن بطاقة الـ..
    - صحيح، انتزعتها يا "سمراء" عن بطاقة الهوية. كان ذلك تحت سلم العمارة الصغيرة التي كنتم تسكنون في طابقها الأول، ومع الصورة انتزعت لأول مرة..

    * انتزعت قبلة مني، هل تتذكر ؟ كنا صغارا كالعصافير، آه يا دنيا.
    - اسمك سهام، الآن تذكرت. فعلا أنت السمراء، بنت جيراننا، كيفك ؟.. هل ما زلت سمراء، وعمرك 15 سنة يا سمراء؟

    * ...
    - آلو، آ..

    * مهلا، مهلا. كنت، كنت ألتقط أنفاسي. يظهر أنك عجول.
    - يبدو أنك تبكين.

    * ..
    - أعتذر، فأنا في موقف حرج أيضا.كيف عرفت بهاتفي وأين أنا ومن..

    * من الإنترنت.قرأت اسمك على الخبر المنشور بالجريدة.لم أكن أتصور هذه الصدفة، فأسرعت وأخذت رقم هاتفكم.. أنا لا أصدق.يا الهي.
    - تقرأين جريدتنا في الإنترنت ؟

    * منذ أسبوع فقط بدأت أقرأها، و..
    - كيف عرفت بها، كيف ذلك ؟

    * زوجي يهتم بقراءة الصحف العربية. اليوم كنا بسهرة، ورجعنا عند الفجر، فنام.. كنت بلا رغبة في النوم، فشغلت الكومبيوتر ولا أدري كيف وجدت صحيفتكم وتوقفت على صفحة فيها صورة رجل أعدموه، وتحت الصورة الخبر، وعلى الخبر اسمك، لندن: من فلان الفلاني.. صعقت ولم أصدق. تذكرتك وتذكرت بيتنا في بيروت، وذلك الشباك وتلك الرسائل. بثوان قليلة عدت الى الماضي البعيد.. الله يا بيروت وأهل بيروت ؟
    - ألم تزوري البلد منذ هاجرتم ؟

    * كنا نريد، لكن الحرب لم تعطنا المجال.
    - هاجرتم الى استراليا مباشرة عندما تركتم بيروت ؟

    * وما زلنا، ألم تكن تعرف ؟
    - كيف أعرف، وقد اختفيتم، ولا أحد في الحي عرف أين حطت بكم الرحال.

    * مش معقول.
    - صدقيني.. أنا نفسي سألت الجيران عنكم ذلك الوقت.

    * ولكني كتبت لك رسالتين، وبالبريد الجوي، كيف ذلك ؟
    - لم تصلني أي رسالة. لا شيءاطلاقا. يجوز، لم أعد أتذكر.

    * والله العظيم أر..
    - لا تحلفي، أنا أعرف أنك صادقة، الا أن شيئا لم يصلني.. الى أي عنوان كتبت ؟

    * الى عنوان المجلة.. المجلة التي كان يصدرها أخوك، وتعمل فيها "أوفس بوي" بعد الظهر.
    - تتذكرين أنني كنت أعمل فراشا بالمجلة أيضا ؟

    * أتذكّر، وكيف أنسى ؟
    - لم تصلني أي رسالة.

    * أرسلتهما بالبريد الجوي.
    - ولماذا لم تتركي خبرا مع أحد قبل سفركم؟

    * سافرنا سريعا، لا أدري كيف. أنتم كنتم تقضون الصيف بالجبل، ولم يكن هناك مجال لأخبرك. وما بيننا، أقصد ما كان بيننا، كان سريا، ألا تذكر؟
    - ماذا جرى بعد ذلك ؟

    * والدي تسلم تذاكر سفر بالباخرة، من عمي بسيدني، فلملمنا الأغراض كيفما كان، لم أعد أذكر كيف رحلنا. ألم تكن تعرف ؟
    - لم أكن موجودا حين سفركم، وعندما عدنا من الجبل الى بيروت، ركضت رأسا الى الشباك لأراك، ولم أر أحدا. كان مقفلا، وكذلك في اليوم التالي، والذي بعده، الى أن عرفت من الجيران.

    * حزنت عندما تركنا بيروت ؟
    - هذا طبيعي. أعتقد أنني بقيت حزينا وسقطت بالمدرسة في الفصل الذي تلا رحيلكم.. كانت أسوأ فترة، فقد شعرت أن حزنا تقمصني وعضوا مني تملص من جسدي.

    * الله يا بيروت، ويا بريستول.. ومدرسة الطليان، هل ما زالت موجودة في الحي ؟
    - راحت من زمان. آخر مرة رأيت أرضا خالية مكانها، ولا أدري ماذا فعلوا بها الآن.

    * ومدرستي ؟
    - تقصدين خديجة الكبرى ؟.. ما زالت موجودة. الا أن الباقي تغيّر في الحي.

    * وبيتنا وبيتكم، والزاروب ؟
    - الزاروب موجود، لكن الأبنية تغيرت فيه، وكذلك الناس.. هل أنت.. متزوجة ؟

    * من زمان.
    - أسترالي ؟

    * لا، ابن عمي.. مرة سألني بعد زواجنا إن كنت عرفت أحدا قبله، فأخبرته.
    - عمن ؟

    * عن.. عن ابن الجيران، عنك.
    - أين تعيشون ؟

    * في هوبارت.. هوبارت عاصمة جزيرة تسمانيا.. انها جميلة كبيروت، مستديرة على خليج البحر. وتسمانيا شبيهة بلبنان،
    - سعيدة بحياتك ؟

    * سعيدة، والحياة حلوة بتسمانيا، ولكن لبنان وأهل بيروت، أنت تعرف كيف. املك هنا شركة ديكور أسستها منذ عشر سنوات، والمكتب قريب من البيت.
    - كيف تقضين الأيام ؟

    * بالشغل، بالديكور والرسم، لكننا نقضي عطلة الصيف حاليا، وستيف دائما بالـ..
    - من هو ستيف ؟

    * زوجي.. زوجي مصطفى، سأخبره عنك اليوم.
    - ماذا ستقولين له ؟

    * سأخبره كيف وجدت ابن الجيران.
    - سيستغرب، وسيسأل كيف تتذكرينني الى الآن.

    * يعرف أننا كنا صغارا، وهو مرح وروحه رياضية. ستراه في الصورة، سأرسل لك صورنا، وسأرسل نسخة عن صورة ما زلت أحتفظ بها الى الآن، وهي بالأبيض والأسود، من الزمن الذي كنت تعرفني فيه.
    - زوجك قد يعرف ويغار يا سمراء.

    * أنت تمزح.
    .- لم أتصور أن تكوني التي تتصل، فلم يكن هذا بالبال. أعتقد أن دفاعات داخلية حصّنتني من حزن عميق أصابني لغيابك.. محت من ذاكرتي كل ما كان بيننا.

    * ما رأيك بنزهة في هوبارت ؟
    - كيف، وأنا في الطرف الآخر من العالم ؟

    * سأخرج من البيت لأقود السيارة، ومنها سأتصل بك ثانية بالموبايل، سأجعلك تتخيل نفسك معي تماما.
    - لماذا تفعلين ذلك ؟.. يمكننا معاودة الاتصال غدا اذا أحببت، أنا سأتصل بك، ولكني أحتاج الى رقم الهاتف.

    * بعد النزهة في هوبارت، سأتوجه الى المكتب، ومن هناك سأبعث اليك بفاكس، فيه العنوان وكل الأرقام الهاتفية والبريد الإلكتروني. ولكن لا، لا تتصل، فهذا سيكلفك الكثير. انتظر عشر دقائق وسأتصل بك ثانية من السيارة.
    - قد يشعر أهل البيت بغيابك.

    * أنا معتادة على التجول فجرا بالسيارة، ومصطفى نائم، فقد تعب من السهرة التي قضيناها البارحة، واليوم الأحد.. سينام حتى الظهر.
    - اليوم هو السبت يا سمراء.

    * السبت عندكم في لندن، وهو الأحد عندنا الآن، ففرق الوقت تسع ساعات. انتظرني وسأكلمك من السيارة.. اتفقنا ؟
    - ok.

    * آلو، أنا بالسيارة، خرجت من طريق البيت، وأنزل باتجاه البحر القريب.
    - أما زلت بثياب السهرة ؟

    * أرتدي فستانا لونه أزرق قاتم، كلون السيارة.. أسير بسرعة 60 كيلومتر بالساعة. دخلت الى الطريق العام الآن.البحر جميل، وهو رمادي أو فضي، لكنه سيصبح بلون بحر بيروت عندما تطلع الشمس.
    - كيف هو المجال من حولك.. ماذا عن اليسار مثلا ؟

    * أرى بيوتا. انها مزروعة بين الأشجار. وراءها الى اليسار يقع بيتنا على سفح تلة صغيرة. أرى الآن عمارة جميلة من أربعة طوابق، وشاحنة تمر عن يميني، صوتها مزعج.. أرى رجلا يهرول على الكورنيش، بالقميص والشورت، ومعه كلب صغير. أرى مرفأ اليخوت والنادي.. عندنا يخت كبير يرسو هناك.
    - ماذا معك في السيارة ؟

    * على المقعد الى يساري توجد مجلة عن الديكور مع كاسيت لأغاني فيروز، وفي المقعد الخلفي توجد لعبة لأرنب زهري اللون، انها لأبنتي الصغيرة.. أنا الآن أشعل سيجارة. أرى باخرة بعيدة في الأفق، وأرى المطعم الايطالي على الشاطيء، لم يفتح بعد.
    - ماذا أمامك ؟

    * سيارات قليلة. عدت أرى بيوتا الى اليسار، مزروعة داخل الأشجار، وخلفها تلال، ومن بعيد يبدو جبل"ديامونت" الشهير.. هناك نصعد أحيانا الى استراحة سياحية مع مطاعم، ونرى هوبارت من فوق..أحدهم يقود سيارته بجانبي الآن. يستغرب أنني في ثياب السهرة. ضحك وراح.
    - أين أنت الآن ؟

    * بآخر الكورنيش تقريبا. سأضطر للالتفاف يمينا لأنه مستدير حول هوبارت.. الباخرة اختفت، وبدأت أرى وهجا من وراء التلال. خليط من ألوان البرتقال والفضة.. إنها الشمس التي غادرتكم في لندن ووصلت الينا. أدخل الآن في نفق قصير، ومنه سألتف شمالا.. دخلت و..
    - آلو، آلو.. انقطع الخط.

    * آلو..انقطع الخط. نسيت أن الموبايل يتوقف عن العمل في الأنفاق.. لن يكون في طريقنا أنفاق بعد الآن. سأحملك الى سوق "سلأمنكا. انه أشهر سوق، ولو جئت في يوم عطلة فلن يكون بامكانك أن تمشي من بشر وناس بالآلاف يشترون كل شيء.. مسرور من النزهة معي ؟
    - جدا، ولكني أريد أن أشعر بك أكثر.

    * تخيّل نفسك جالسا الى يساري. أنظر اليّ وأنا أقود.
    - نظرت.

    * ماذا ترى ؟
    - أراك بفستانك الأزرق القاتم. أرى شعرك قصيرا، والهواء يتلاعب بخصلة في أعلاه. هناك خصلة أخرى تتدلى فوق الجبين. أراك نحيفة بعض الشيء، وسمراء كلون التربة.. تلتفتين نحوي الآن، فأرى عينيك حزينتين.. لماذا يا جارة ؟

    * لا حزن في عينيّ، انما أبدو كالحزينة عندما أتأمل.. وضعت موسيقى لفيروز، هل تسمعها ؟
    - أسمعها قليلا.. ماذا تغني تماما ؟

    * "أنا عندي حنين، ما بعرف لمين، لعيونك الحلوين".. تعرف الأغنية ؟
    - أعرفها طبعا. انها رائعة وجميلة.

    * هل تذكر كيف كنت تغني لي وتكتب لي الرسائل، وتضعها في قماشة ملفوفة ثم ترميها اليّ من الشباك، فألتقطها كالملهوفة.. كنت تسحرني.
    - ألم تحتفظي برسالة ما ؟

    * لم يكن باستطاعتي، فأبي كان بالمرصاد.. كنت أحفظها ثم أرميها.
    - سمراء أرغب برؤيتك من جديد.

    * ..
    - آلو، آلو..

    *..
    - الاتصال انقطع ثانية.




    ماذا جرى يا جارة ؟ هل فرغت بطارية هاتفك النقال من شحنتها الكهربائية أم دخلت في نفق جديد ؟ انتظرتك أكثر من ساعة..لا اتصال جاءني منك ولا حس ولا صوت. وكان صباح وكان مساء، يوم كامل مضى وتلاه آخر، ولا شيء جاءني من القارة المحاطة بالماء.

    ماذا جرى يا سيدة لتقطعي التواصل عبر الأثير عني ؟ رحت أتجول بالهاتف أسأل عنك شركات الديكور في هوبارت. سألت النوادي والجمعيات ومرفأ اليخوت، وأبحرت في شبكات الإنترنت، لأقرأ صحف تسمانيا وعاصمتها ومدن القارة الملتفة بالماء كلها.. حرفا حرفا قرأتها يا جارة، وعرفت من خبر نشرته صحيفة في تسمانيا يا سمراء، أسوأ الأنباء.

    عرفت أن شاحنة عمياء فاجأتك وأنت تتحدثين اليّ من سيارتك القاتمة الزرقاء، فأسرعت أتنقل بهاتفي بين المصحات والمستشفيات أبحث عنك، حتى حط بي الأثير في مستشفى نقلوك اليه دامية متضرجة، كحبك الأول في بيروت.. تحدثت الى طبيب، فسألني من أنا، من أين، ومن أكون.

    قلت للطبيب: أنا فلان.. فلان من صحيفة في لندن. من لبنان، من بيروت، من جوف زمن عرف شباكا أطل منه فتى في الحي القديم على شباكها الأخضر.

    فواساني الطبيب من غرفة باردة في المستشفى البعيد، وأخبرني يا جارتي الصغيرة أن ابتسامة شعّت من شفتيك وأنت تفارقين الحياة، وأضاءت وجهك الأسمر.
    avatar
    على حسن الطيب


    عدد المساهمات : 5
    نقاط : 11
    تاريخ التسجيل : 13/06/2012

    بنت الجيران Empty رد: بنت الجيران

    مُساهمة من طرف على حسن الطيب الثلاثاء يونيو 19, 2012 8:28 am

    ياريت لو توضح لينا كاتب القصه ولكن بالجد انا استمتعت بالمكالمات والحديث الذى دار بينهم ولكن يبقى السؤال هل من الممكن ان توجد مثل هذه الصداقه الان فى زمننا هذا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 4:11 am